الجمعة، 6 نوفمبر 2009

حادث تكساس ومآلات الأفعال للأقلية المسلمة

* * *



نضال حسن منفذ هجوم تكساس


يبدو أن حادث إطلاق النار الذي أودى بحياة (13) جنديا أمريكيا وأصاب العشرات منهم والمتهم فيه ضابط أمريكي مسلم سيكون له انعكاساته على أوضاع المسلمين في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة، ورغم أن القاعدة العسكرية التي وقع فيها الحادث وهي "فورت هود" شهدت وقائع عنف ارتكبها جنود ضد زملاء لهم، لكن السياق الذي جاء فيه الحادث يؤكد أن القراءة التي سيتم بها الحدث سُتدخل الإسلام والمسلمين في القراءة للتدليل على أن البنية الفكرية للمنظومة الإسلامية تحتوي على مركب العنف، وأن حدود الإسلام دموية، وأن المجتمعات الغربية لها عذرها في ظاهرة "الإسلاموفوبيا".

ورغم ذلك فإن ما جرى في تكساس يطرح مجموعة من الأسئلة الإشكالات الكبرى تتعلق بالحركة الفقهية الواجب على المسلمين الالتزام بها في ظل السياق الدولي والمحلي المأزوم الذي يعاني منه المسلمون، وحالة الاستقطاب الديني التي يشهدها العالم والتي تتمثل في عودة الأديان ونمو الهويات الفرعية والخصوصيات الثقافية وتأثير ذلك على نمو الاحتكاكات بين أصحاب الأديان والمعتقدات المختلفة، سواء في داخل إطار الدولة القومية والوطنية أو على مستوى الصعيد الإقليمي والدولي.

ويثر الحادث أيضا أسئلة حول تأثير النزاعات والتوترات الدولية على نمو الهويات المختلفة وميل هذه الهويات التي تعاني من تهميش وضغوط وعنف إلى لجوء بعض أفرادها تحت الضغوط إلى القيام بعمليات "انتقامية" من الهوية الأكبر التي تحتويهم والصدام العنيف وغير العقلاني معها، وكأن القوانين المادية الفيزيائية تجد صداها في تلك التجارب التي شهدها العالم كثيرا، حيث يلجأ أفراد إلى الاحتجاج الدموي على تلك السياسات، وبالتالي يكون المخرج ليس بممارسة الكثير من القهر والضغط على الهويات والانتماءات الفرعية أو مصادرة الخصوصيات الثقافية، ولكن قد يكون المخرج الآمن هو خفض حدة التوترات الدولية والإقليمية ومحاولة نشر العدالة في الفضاء الدولى على اعتبار أن ذلك يشجع على نمو مساحات التسامح في المجال الاجتماعي، ويخفف من الحدود الملتهبة بين الهويات والثقافات وأصحاب الأديان المختلفة.

ويطرح الحادث حجم الضغوط التي يتعرض لها المسلمون في العالم، سواء تلك التي يشكلون فيها أغلبية، حيث تساند الولايات المتحدة والغرب الأنظمة الاستبدادية بداخلها، أو بقيام الغرب باحتلال تلك الدول وارتكاب أكبر فظائع عرفها التاريخ في حق تلك الشعوب المسلمة، مثل ما يجري في العراق وأفغانستان من فظائع يرتكبها الجيش الأمريكي بحق المدنيين العزل، والطريف أن الجيش الأمريكي يوفر قدرا من الرعاية النفسية لجنوده العائدين، واليقين أن هؤلاء شاركوا في ارتكاب مثل هذه الفظائع؛ فكيف الحال بمن ارتكبت في حقهم تلك الفظائع؟!

وحتى لا نمضي بعيدا فالمؤكد أن هناك أزمة هوية يعاني منها مسلمو الغرب والولايات المتحدة وفي الدولة التي يعيش المسلمون فيها كأقلية أمام ثقافات سائدة متغلبة وقوية، وهو ما يخلق بدوره أزمة انتماء وتكامل تعاني منها تلك الأقليات، وتتجلى هذه الأزمات في الفترات التي تحتك فيها الخصوصية الثقافية الفرعية بالهوية الثقافية الأكبر المحتوية لها أو تتعارض معها، فتخلق حالة من الاحتقان والتأزم الكبير الذي يتراكم مع توالي الأحداث وعدم الاهتمام بتفريغ شحنات الغضب الموجودة في النفوس والجماعات الفرعية من خلال سياسات حقيقية عادلة وليس من خلال أحلام سياسية تتناقض مع الواقع الذي تعيشه تلك الأقليات، وهو ما يتجلى في حادث تكساس.

وإذا كانت الأخبار الأولية للحادث تشير إلى أن الضابط "نضال حسن"، الذي ولد في أمريكا وعاش فيها عمره كله، قد سأل محاميه عن تركه للخدمة العسكرية واستعداده لدفع التكاليف التي تحملها الجيش الأمريكي في تدريبه، فإن الحادث يطرح "فقه الأقليات" على بساط البحث والمآلات التي تتركها أفعال أفراد من الأقلية المسلمة ردا على مظالم حقيقية على مستقبل تلك الجاليات، خاصة أن أسئلة طرحت إبان حرب أفغانستان والعراق عن مشروعية مشاركة الجندي المسلم في الجيش الأمريكي في حرب في العراق وأفغانستان يذهب ضحيتها يقينا مسلمون يدافعون عن أراضيهم أمام احتلال خارجي، ورغم تضارب الفتاوى بين مؤيد ومعارض فإن بعض أساتذة العلوم السياسية كان له رأي في أنه لم يكلف أحد من المفتين نفسه بالسؤال القانوني للدستور الأمريكي، فالدستور الأمريكي يعطي الجندي الحق في التنحي عن المشاركة في حرب يرى أنها تتناقض مع معتقداته وما يراه حقا.

هذا الأمر يعود بنا إلى الكتاب المهم للدكتور عبد المجيد النجار "فقه المواطنة للمسلمين في أوروبا"، والذي ناقش قضايا مهمة استوقفني منها الحديث عن "مآلات الأفعال"، وهي تلك الأفعال التي يُقدر فيها الحكم الشرعي على أي فعل من أفعال الناس باعتبار ما سيئول إليه عند التطبيق من تحقيق المصلحة التي وضع من أجلها الحكم العام؛ فإذا تبين عدم تحقيق المصلحة لخصوصية من الخصوصيات استثني ذلك الفعل من الحكم الشرعي الموضوع له في الأصل، وعدل به إلى حكم آخر يتحقق به المقصد الشرعي، وهو ما اتفق مع قول الشاطبي "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا"، حيث يرتبط بهذا الأصل قاعدة مهمة وهي "سد الذرائع"، وهو أمر لابد أن يراعى في الأفعال والفتاوى والرؤى الشرعية الخاصة بالأقليات المسلمة.

وتأسيسا على هذه الرؤية يصبح أمام المسلمين وعلمائهم في الغرب آفاق واسعة للتعامل مع الحياة في الغرب بتعقيداتها وتشابكها، وربما هذا ما أكده الدكتور صلاح سلطان -رئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا سابقا- في مسألة التعارض بين الهوية والمواطنة لدى مسلمي الغرب من أن هناك منهجين للتعامل مع هذا الأمر، وكلاهما غير مقبول في ميزان الشريعة الإسلامية:

أولهما: منهج يغالي في الحفاظ على الهوية الأصلية، بما يوجد نوعا من الانفصام عن الوطن الذي يعيش فيه؛ وهو ما يشير إلى وجود فجوة في تربية الأبناء وتنشئتهم في مثل هذه البلاد، حيث يشدد الآباء على الهوية الأصلية بما لا يسمح للطفل أن ينشأ على الولاء للأرض التي ولد فيها وعاش عليها، وثانيهما: يرى الولاء الكامل للوطن حتى لو تعارض ذلك مع ثوابت أصيلة.

وهنا يؤكد سلطان أن المسلمين في الغرب لم يستنفدوا الأدوات والأساليب القانونية التي تتيح رفع هذا التعارض والتناقض بين الانتماء لهوية الأمة المسلمة والانتماء كمواطنين للدول التي يعيشون عليها.

وربما هذا الحادث ينبه إلى ضرورة وأهمية الحاجة لآراء فقهية تخفف حجم الضغوط الضميرية التي يعاني منها مسلمو الأقليات، وتركيز انتباه تلك الأقليات على خصوصية تجربتهم في استنبات الإسلام وإنضاجه بالعمل والإنجاز والاندماج في الفضاء الإنساني والتأثير الإيجابي فيه.

رئيس التحرير التنفيذي لموقع مدارك

هناك تعليق واحد: