السبت، 31 أكتوبر 2009

كيف نصنع فقيهاً ؟ .. القرضاوي يجيب



إسلام تايم- الرسالة - 29/10/2009


أكد العلامة الدكتور يوسف القرضاوى - رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين - وجود فروق بين الفقيه المسلم والداعية المسلم ، وكما يقول علماء المنطق هناك عموم وخصوص ، فكل فقيه عالم وليس كل عالم فقيه ، فهناك عالم بالتفسير ، عالم بالحديث ، عالم بالعقيدة ، عالم بالسيرة النبوية ، عالم بالتاريخ الإسلامي ، عالم باللغة والأدب ، لكن الفقيه هو من اشتغل بأحكام الشريعة واستنباط الأحكام الفرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية .

وأضاف - خلال الندوة التي عقدت مؤخرا وبثتها قناة الرسالة - أن الفقيه ليس أفضل من عالم العقيدة أو عالم التفسير أو عالم الحديث ، فكل واحد اختص في ناحية ، والمهم أن يعرف كلا منهم حدود اختصاصه فلا يدخل عالم فيما لا يحسنه ، فنحن نرى عالم من علماء التفسير ممن اشتغل بالتفسير طول عمره ولم يشتغل بالفقه ثم أقحم نفسه في الفقه فدخل في متاهات ، وجاء بما لا يعقل ولا يتصوره فقيه ؛ لأنه دخل في غير اختصاصه ، وكذلك من الممكن أن يكون محدثا كبيرا أحاط بكتب الحديث وبعلوم الحديث رواية ودراية ولكنه لم يؤتى ملكة الفقه فهو محدث كبير ولكنه ليس بفقيه كبير .

وتساءل القرضاوي عن الفرق بين الداعية والفقيه ، مجيبا أن الداعية قد يكون فقيها ، وقد يكون الفقيه داعية ، ولكن ليس بالضرورة ، فكم من داعية يحرك القلوب بمواعظه يهز أعواد المنابر ولكنه لا علاقة له بالفقه ، وهو في هذا المضمار أشبه بالعوام ، ومشكلة جماهير الناس أنهم لا يفرقون بين هذه الأصناف من العلماء ، فهو يظن الداعية الكبير فقيها كبيرا ومفتيا كبيرا ، ويستفتيه في أعظم الأمور ، والداعية نفسه قد يلتبس الأمر عليه وبخيل إليه أنه لتأثيره القوى في الجماهير قادر على أن يتصدى للإفتاء أيضا ، وهذا ليس بصحيح فالفقيه شيء والداعية شيء أخر .

وتابع قائلا : كذلك الفقيه شيء والمفكر شيء أخر ، هناك أناس مفكرون فلاسفة إسلاميون لهم رؤيا في القضايا الكبرى مربوطة بعللها موصولة بأصولها وأهدافها وجذورها ، فهو يفكر في أعماق الأشياء ولكنه ليس بفقيه ، ولذلك إذا حكم على الأشياء قد يكون حكمه غير صحيح بالمرة ، ومن المهم أن نعرف المصطلحات وما تدل عليه ، فتحديد المفاهيم من الأشياء الضائعة بين الكثيرين حيث يخلطون بين الأشياء بعضها ببعض .

وأضاف القرضاوي أن الفقيه المسلم هو العالم المسلم الذي تهيأ لدراسة أحكام الشريعة ودراسة أدلة الشريعة ؛ لأن الفقه هو استنباط الأحكام من الأدلة ، ولذلك لابد أن يعرف الأدلة سواء كانت أدلة أصلية أو أدلة تبعية ، والأدلة الأصلية هي القرآن والسنة والإجماع والقياس ، والأدلة التبعية هي المصلحة المرسلة والاستحسان وقول الصحابي ، وشرع من قبلنا ، والأشياء التي اختلف فيها الأصوليون ، ولابد أن يحيط بهذه الأدلة وأن يتهيأ للاستنباط بمؤهلات علمية .

وقال إن العلماء السابقون إذا قالوا كلمة فقيه فعندهم الفقيه هو المجتهد ، لا يقولون كلمة فقيه على العالم المقلد فالأصل في الفقيه أن يكون مجتهدا ، هكذا كانوا يطلقون مسمى فقيه ، وأنا أقول أن الأصل في الفقيه هو من بلغ درجة الاجتهاد سواء كان هذا الاجتهاد يتجزأ أو لا يتجزأ.
وأكد القرضاوي أن الاجتهاد في عصرنا فريضة وضرورة فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع ، ولا بد أن يوجد في الأمة مجتهدون ، كليون أو جزئيون ، اجتهادا مطلقا أم اجتهادا مقيدا ، اجتهادا إنشائيا أم اجتهادا انتقائيا وترجيحيا ، ولا بد أن يوجد في الأمة في كل اختصاص من يسد الفراغ ويسد الثغرة ويلبى الحاجة في علوم الدين وعلوم الدنيا. وتساءل كيف نطبق الشرعة الإسلامية إذا لم يكن هناك اجتهاد ، البعض يقول كتبنا بها كل شيء هذا صحيح ، ولكن كتبنا كتبت لزمانها وكتبت لبيئاتها ، ولا يمكن أن نكلف علمائنا أن يعرفوا الغيب ويجتهدوا للغيب ، هم يجتهدون لزمانهم ومكانهم وأحوالهم وأعرافهم.

وعن مؤهلات الفقيه في عصرنا الحالي يقول رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين إنه لكي يخوض الفقيه المسلم معركة قضايا العصر لابد أن نعده إعدادا يمكنه من فهم قضايا العصر إعداد علميا فكريا وثقافيا ، ومؤهلات المجتهد هي مؤهلات علمية وأخلاقية، المؤهلات العلمية هي التمكن من اللغة العربية إلى حد الرسوخ في علوم العربية من نحوها وصرفها وبلاغتها ومفرداتها وتراكيبها ودلالاتها .. الخ ، ومعرفة القران وعلوم القران ومعرفة السنة وعلوم السنة ثم معرفة لأصول الفقه.

ثم أضاف شرطا أخر أشار إليه الإمام أحمد بن حنبل بشأن ما ينبغي أن يكون عليه المفتى وهو معرفة الناس ومعرفة ما يكون عليه الناس ، فلابد من إعداد القفيه المسلم ليعالج قضايا العصر بناءا علي بينة وعلى معرفة.

وأوضح أن قضايا العصر هي القضايا التي يشتغل بها كل عصر تشغل فكره وتشغل حاضرة يتساءل الناس عنه ما الحكم وما الواجب حولها ، فلكل عصر قضاياه الخاصة ، وهناك اختلاف بين عصر وعصر ، والإنسان يتغير فلا عجب أن يكون عصرنا له قضايا ينبغي للعلماء أن ينظروا فيها على ضوء فقه الواقع وفقه المقاصد وفقه الموازنات وفقه المآلات وفقه الأولويات وفقه الضرورة والحاجة ، مطالبا الفقيه المسلم المعاصر ألا يحاول إخضاع الشريعة للواقع ؛ لأن الشريعة هي الأصل ففي إحدى المقالات السابقة قلت لماذا تطالبون الإسلام أن يتطور ولا تطالبون التطور أن يسلم ، فلا بد أن نوازن دائما بين النظر إلى المقاصد والنظر إلى النصوص.

وأوضح أن هناك مرتكزات للفقيه المسلم في قضايا العصر منها أن ينظر إلى فقه الواقع كما قال الإمام ابن القيم " الفقيه هو من يزاوج بين الواجب والواقع فلا يعيش فيما يجب أن يكون فقط ولكن فيما هو كائن " ، وأن الفقيه المعاصر من شأنه أن يتبنى فقه التيسير لا فقه التعسير فهو لا يمكن أن يحل مشكلات الناس ويعالج قضاياهم إذا تبنى التشديد في كل شيء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق